من مقال محمد البشرى - برمنغهام (بتصرف)
النص الكامل منشور سودنايل 11 فبراير 2010
في هذه المقالة سوف نناقش صناعة البترول في السودان في ظل الاوضاع الحالية والتي تدل من وجهة نظري الشخصية على إتجاه الجنوب نحو الانفصال، بالرغم لما لذلك من أثار سالبة علي الوضع السياسي والإقتصادي وبالأخص ما يتعلق بصناعة النفط
وحينما نقول صناعة البترول فاننا نعني كل ما يتعلق بالنفط من عمليات إستكشاف وبحث وحفر وإستخراج وتكرير وترحيل وبيع وخدمات،أي كل العمليات البترولية تحت الارض او فوقها. كما يجب ملاحظة أن كلمة صناعة البترول المقصود بها هنا هو صناعة البترول والغاز معاً.
صناعة النفط في السودان تتشابه في كثير من الأمور مع صناعة النفط الأنغولية، حيث ان كلا الدولتين قد عانتا من حرب أهلية أدت لحرمان الدولتين من الإستفادة من ثرواتهما النفطية وحرمتهما من مداخيل هذه الثروة وحرمتهما من فرص تنمية كانت ستعتبر رخيصة بمقاييس اليوم. السودان وأنغولا وقعٌا في بداية القرن الواحد والعشرين إتفاقيتي سلام أنهتا الحرب الاهلية وهيأتهما لإستغلال مواردهما البترولية. أنغولا أغتالت زعيم حركة يونيتا (جوناس سافيمبي) في فبراير 2002م واضعة نهاية ل 27 عاماً من الحرب ومن موقع المنتصر وقعت إتفاقية سلام مع المتمردين في ذلك الحين كان السودان يتفاوض مع الحركة الشعبية بضغط أميريكي علي الجانبيين، تلك المفاوضات التي أدت لتوقيع اتفاقية السلام الشامل
في يناير 2005م والتي وضعت حداً للحرب الأهلية الثانية والتي امتدت لمدة 23 سنة. إتفاقية السلام الشامل لم تضع فقط حداً لعقود من العداوات ولكنها قد ابتكرت اّليات للحل وبحثت عن وضع النقاط علي الحروف في شان إشكالية إدارة الصراع العرقي والثقافي والديني في السودان. ومن ضمن ذلك فقد وضعت حلاً قد يعتبر في نظر البعض عادلاً لإقتسام مدخلات الثروة ووضعت بروتوكول لمنطقة أبيي ، كما انها أعطت الجنوبيين الحق في تقرير مصيرهم بعد فترة انتقالية ممتدة من 2005-2011م.أولاً: إقتسام مداخيل البترول:
إتفاقية نيفاشا نادت بإقتسام الثروة المُدخلة من الحنوب والتي عمادها إقتسام الثروة البترولية. وفي هذا الإطار فقد أوردت (بزنس مينوتور) أن المفاوضات في نيفاشا حول اقتسام البترول المنتج من الجنوب قد كادت ان تصل لطريق مسدود حينما طالبت الحركة الشعبية باعطائها نسبة 90% من بترول الجنوب ولكن تحت تزمت المؤتمر الوطني أبدت الحركة قبولها بنسبة 60% ولكن هذا المقترح أيضا جُوبه بالرفض القاطع وتدخل الوسطاء وقبـِلت الحركة بنسبة 50/50 وكانت المُفاجأة أن الحكومة أوضحت أن الجنوب لن يستلـم أيُ مبالغ مالية "نقداً" حيث ان الإتفاقيات مع الصين كانت تتم بنـظام التبادُل "المُقايضة" حيث ان الصين تأخُذ بترول مُقابل "توريد بضائع" والتي هي في الحقيقة معظمها"أسلحة" وأمام الرفض القاطع للحركة للقبول بالبضائع الصينية وتدخُل "الوسطاء" بالضغط علي الصين للدفع "بالدولار" قبـِلت الصين بالدفع "نقداً" مما يُفسـر توافُر السيولة بيد الحكومة السودانية بعد توقيع اتفاقية "نيفاشا".
فيما يخص إقتسام الثروة النفطية فقد نصت المادة 192 في الفقرات (1)و(5)و(6) من الدستور الإنتقالي لعام 2005م على أن يتم إقتسام البترول المنتج من الجنوب بعد خصم 2% من الانتاج لتطوير المناطق المُنتـجة بنسبة 50% لكل من حكومتي الشمال والجنوب، وفي هذا الإطار يجب التنويه ان المناطق المُنتـِجة لم تتلقي حـِصتُها المحددة لها لتنمية المنطقة ولا أحد يدري أين يذهب نصيب أبيي على سبيل المثال في ظل النزاع الحادث بين الشريكين. في نفس الوقت فإن الاتفاقية يُعابُ عليها أنها لم تتعرض لإتفاقيات ومداخيل وتقسيم عوائد أنابيب النفط او علي الاقل التعرض للعوائد المترتبة لمصلحة الجنوب من الانابيب الممتدة في أراضي الجنوب بـغض النظر عن تقاسمها مرة ثانية مع حكومة الشمال أم لا، وماهو الوضع القانوني للأنابيب الممتدة داخل أراضي الجنوب بعد الإنفصال وما هي إحتمالات تعرُضها للتخريب وعلى من يقع عـبءُ حمايتُها وهذه كلها أمور يجب ان يُتفق حولها بصورة واضحة لا لبس فيها حتي لا تكون "خميرة" خلافات مستقبلية.
ثانياً: منطقة أبيي :
وهي منطقة غنية بالنفط واقعة في منطقة مشتركة في الحدود بين الشمال والجنوب، ولها أهمية إستراتيجية في الاقتصاد السوداني ، حيث أنها تحتوي علي 15% من إحتياطي السودان المعروف والذي قدرته شركة بي بي البريطانية ب 6.7 بليون برميل في تقديرها الصادر في يونيو 2010م. كما أن حقل هِـجليج الواقع شمال أبيي يقدر إنتاجُه ب 37% من بترول منطقة أبيي. إتفاقية نيفاشا إهتمت وعملت لإيجاد حل لنزاع أبيي حيث أنها أعطت المنطقة وضعية إدارية خاصة تحت إدراة وإشراف رئاسة الجمهورية وإعتبرت سكان المنطقة مواطنيين يتبعون لمنطقتي جنوب كردفان وبحر الغزال في نفس الوقت، كما أن بروتوكول أبيي أعطي لمواطني أبيي الحق في التصويت بصورة منفصلة وبالتزامن مع الاستفتاء لتحديد مصير ومستقبل المنطقة إذا ما كانوا يُرِيدون أن يبقوا في الشمال ام يريدون الإنضمام للجنوب في حالة الانفصال (م 183 (2) و(3) من الدستور الانتقالي 2005م). هذا البروتوكول حاول أن يضع حلول لنزاع مُحتمل بالرغم من أن النزاع في منطقة ابيي حول المياه والمراعي بين الدينكا (نكقوق) والمسيرية قديم قـدم تواجُد تلك القبائل بالمنطقة وكانت النزاعات تُحل عن طريق التحكيم والمصالحات بواسطة زعماء القبائل. ولكن بإكتشاف البترول فان حـدة النزاع قد إرتفعت بدخول لاعبين جُدُد في النزاع حول موارد المنطقة النفطية وهم حكومة السودان وحكومة الجنوب والشركات النفطية وكذلك منظمات حقوق الإنسان كمراقب،رغم ضعف رقابة الأخيرة نسبة لمحدودية حركتها خاصةً في مناطق إنتاج البترول.
النزاع حول تحديد حدود أبيي ومدى تبعـيتها لأي الطرفين قد أُوكلت لـلجنة من الخبراء ولكن قرارهُم لم يُعجـب حكومة الخرطوم والتي إحتجت بأن الخُبراء قد تعدوا السُلطات والصلاحيات المُخوّلة لهم في قرار التعيين، مما دعى الحركة والحكومة للإتفاق على عرض النزاع علي محكمة التحكيم الدولية الدائمة في لاهاي والتي فصلت في النزاع في يوليو 2009م مُعيدةً ترسيم حدود المنطقة بـكمش الحدود من ناحية الشمال جنوبا مُدخـلةً حقل هِجليج في حـدود الشمال، هذا الإدخال يراه العديد من الخبراء كمؤشر نهائي لإنفصال الجنوب وتبعية أبيي للجنوب وبذلك يكون حقل هِجْليج هو بـمثابة تعويض للشمال عن فقدان بترول أبيي في حالة الإنضمام للجنوب وهو إنضمام لا محالة حادث بحكم أن معظم سكان أبيي من دينكا نكقوق الذين يعتبـِرون أنفسهم جنوبيون، ورغم ان الطرفيين يدّعْـيان التمسك بأبيي بحجة حماية سكانها ومراعاة حقوقهم كمواطنين للطرف المُدعِي وأن السكان يستنجدون به ويطلبون العون منه، ورغم أن الطرفين ينكُران التمسك بها لمواردها النفطية فإن الدلائل تشير أن سكان المنطقة من عرب المسيرية والدينكا هم اخر إهتمامات الحكومتين، فبمجرد صدور حكم محكمة التحكيم فإن حكومة الشمال رفضت تقاسم بترول هِجْليج مع الجنوب بالرغم من إقتسامه سوياً منذ 2005م مما ينفي دعاوى الإهتمام بالمنطقة وإلا لتركت الحكومة القسمة كما هي للمساعدة في تنمية المنطقة بحفر آبار لمياه الشرب للرعاة مثلاً .
ونسبة لان منطقة أبيي بالنسبة للطرفين هي منطقة نزاع وقنبلة موقوتة يمكن أن تقود للحرب بين الطرفين من جديد في أي لحظة اذا إنفصل الجنوب ولم تُرســم الحدود. لذا نجد كل طرف يُريد أن يقترِح من الحلول ما يحقق مصالحه او ما يرى انه يؤدي للاستقرار مستقبلا من وجهة نظره المعيبة . فالمؤتمر الوطني تقدم بإقتراح في 16-9-2010م يتضمن عدة نقاط أهمها: أن تكون أبيي "منطقة تكامُل" على ان تُقسم مواردها النفطية بنسبة 20% للمنطقة و40% لكل من الشمال والجنوب وان يعطي سكان أبيي من دينكا ومسيرية جنسيتي الشمال والجنوب في حال الانفصال. حكومة الجنوب رفضت هذا المقترح جملة وتفصيلا وإعتبرته نوع من محاولات الحكومة لإعادة التفاوض حول قرار محكمة لاهاي وأن المسيرية لا يحق مساواتهم في الحقوق بالدينكا في أبيي او التصويت، كما انه يمس "قدسية" إتفاقية نيفاشا وهما من الخطوط الحمراء بالنسبة للحركة(سودان تريبيون) ولكن هذه القدسية المدعاة لبروتوكول أبيي ونيفاشا قد إنتهكها باقان أموم حينما إقترح في نهاية اكتوبر 2010م علي رئاسة الجمهورية ان تُعلن ضم أبيي للجنوب بقرار إداري ضمن صفقة لا يعلم أحد بقية تفاصيلها ، فالادعاء بالاهتمام بمصالح سكان المنطقة لم تشر اي دلائل من الحكومتين علي مراعاته.
من وجهة نظر القانون الدولي فإن الجنوب اذا اختار الإانفصال ، فانه قانونياً مُؤهل لاقامة دولة مستقلة، حيث انه مستوفٍ للشروط التي تجعل من اقليم ما ان يقيم دولته المستقلة وهي: وجود شعب، حكومة، ورقعة أرض وإمكانية اقامة علاقات دولية (جانيس ) كما ان الجنوب من السهل عليه الحصول على الإعتراف به كدولة من الغرب وخاصة ان اميركا تقف بقوة خلف الحركة الشعبية. وهكذا إذا تم الانفصال فستنشأ دولة جديدة وبالتالي فإن صناعة وادارة النفط سيحدث لها زلزال عنيف يغيير شكل خارطة الصناعة النفطية الموجودة الان بالسودان. فشركات النفط العاملة في مجال النفط الآن قد تعيد تقييم إتفاقياتها السابقة مع الحكومة السودانية بالتفاوض مع حكومة الجنوب او تجبر على إعادة التفاوض حول بعض العقود او البنود. ومن المتوقع ان أيُ عقود جديدة او أي مناطق يتم التخلي عنها وإعادتها للحكومة الجديدة لن تُعطي لـشركات" شرقية" وخاصة الصينية لإتهام الجنوب لتلك الشركات بالمشاركة في إنتهاك حقوق الانسان الجنوبي في حقبة التسعينات من القرن الماضي وبدايات القرن الحالي، كما ان الرغبة في الاستعانة بالتكنولوجيا الغربية المتطورة والتخلص من التكنولوجيا الشرقية المتخلفة، إضافة لرغبة الجنوب في الحصول على الدعم السياسي الغربي سيُرجِح كفة الشركات البترولية الغربية وخاصة الاميريكية. اذا تم الانفصال سلمياً فقد يكون التأثير محدود النتائج و مقدور السيطرة عليه، بعكس الانفصال غير السلمي او العنيف الذي لا يمكن التنبوء بآثاره، وفي كل الاحوال فان نقاش ما إذا كان الانفصال سلمياً اوعنيفاً يقع خارج نـطاق هذا المقال القصير ولكن من يريد الاضطلاع على المزيد حول السيناريوهات العنيفة والسلمية للإنفصال يجد تفصيلاً لذلك في ورقة البنك الدولي (ابراهيم البدوي واخرون).
في حالة الانفصال ونشوء دولتين، فان التعاون بين الدولتين هو ضرورة حتمية بل مسألة حياة او موت في مجال الصناعة النفطية بالنسبة للجارين الجدد. وفرضية حتمية التعاون تأتي في إطار حقائق الجغرافية والتاريخ والأمر الواقع فيما يختص بالنفط. هذا التعاون ضروري في حالتين وهما: التعاون في استغلال الحقول الحدودية المشتركة وكذلك لأن الواقع الماثل يؤكد أن معظم البنية التحتية المتعلقة بالنفط قد تم بناءها في الشمال ، كما سنفصل أدناه:
أولاً: الحقول المشتركة (أقرأ التفاصيل)
ثانياً: البنية التحتية للبترول (أقرأ التفاصيل)
أقرأ : نفط الشمال ...حقائق وأرقام
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق