أجــيــال- الجالية السودانية بمصر Headline Animator

السبت، 18 يونيو 2011

أدباء سودانيون: لم نكتب عن مصر بقدر القراءة عنها


عن: روزاليوسف بقلم تغريد الصبان

 
 العلاقة التي جمعت مصر بالسودان رغم قوتها علي جميع الأصعدة منذ القدم، حتي لو تعرضت لضعف في فترات معينة، لم تكن بنفس القوة في الأدب، الذي رحب في السودان بالانفصال، معتبره استقلالا وليس انفصالا، حول رصد الأدب السوداني للانفصال بين شطري الوادي، وصورة مصر في الأدب السوداني، دار هذا التحقيق الذي شاركت فيه مجموعة من الروائيين السودانيين الروائية رانيا مأمون وصفت العلاقة بين مصر والسودان بالمحبة العميقة والأخذ والعطاء، قائلة: "كثير من الطلاب السودانيين تلقوا تعليمهم في مصر إبان فترات الابتعاث  ومن هؤلاء الطلاب تجدي الشعراء والكتاب والروائيين، مثل معاوية نور الذي كان مؤثرا في الحركة النقدية ليس فى مصر فقط ،  
الوطن العربي علي العموم، والشاعر إدريس جماع، ومحمد الفتيوري والهادي آدم وغيرهم كثر، وهناك من لم يدرس بمصر، ولكن مات فيها مثل جيلي عبد الرحمن، كانت دوماً صورة مصر في الوجدان السوداني عموماً في أدبه صورة مشرقة وناصعة. واستطردت قائلة: لكن هذه الصلة القوية المؤثرة بين البلدين أدبيا لم تعد واضحة في الأدب السوداني بنفس القوة، ربما لانقطاع الدراسة بشكل مكثف في مصر، أو لأن دور مصر الثقافي باعتبارها مركزاً ثقافياً منفرداً والإبداعي تقلص مؤخراً.  أما الروائي عبد العزيز بركة ساكن، فتحدث في إجابته عن الشعر، نظرا لاحتياج الرواية إلي تتبع نقدي لا يقدر عليه وهو كاتب من الريف -كما وصف نفسه- قائلا: "لم يكن السودانيون ينظرون لمصر كمستعمر، ولا كجزء من السودان، ولكن كانوا ينظرون إليها كدولة مُسْتَعْمَرَةَ (بفتح الراء) من قبل نفس المستعمرين الذين كانوا يحتلون السودان، أي هي ذاتها مغلوبة علي أمرها، ومستخدمة كأداة لتحقيق أهداف المستعمر، تركيا كانت أم انجلترا أو العرب المسلمون في عصور سابقة، ويشهد علي ذلك فكرة المهدية في تحرير مصر، ودعمهم ولو أدبيا للثورة العرابية، فالمهدي كان يريد أن "يبادل" غردون باشا بعرابي باشا، لولا أن قتله الأنصار ظانين أنه أحد ضباطه، كما أن صورة الجنود المصريين الذين دفعوا للحرب في السودان وهم مقيدين حتي لا يهربوا، تقول الكثير" أما الروائي حمور زيادة فحاول الإجابة من زاويتي الأدب الشعر والرواية، فيقول: "لم يصف الأدب السوداني انفصال السودان عن مصر بـ"الانفصال"، إن وجدنا أصلا ذكرا لهذا في الأدب السوداني، ولكن وصفه بـ"الاستقلال". 

وقد تناول الشعر هذه المسألة في فترة الحركة الوطنية السودانية قبل "الاستقلال" بكثرة، كتمجيد لمصر حينا وحنينا إليها حينا آخر. لكن في الرواية لعلي لا أستحضر ذكرا لمصر إلا ما كان في "موسم الهجرة إلي الشمال" للطيب صالح، وذكر عربي آخر في رواية "الطريق إلي المدن المستحيلة" لأبـّكر آدم إسماعيل، لكن ربما نجد ذكرا لها في بعض الأدب المتوسط، أو ما نسميه روايات المرة الواحدة، وهي لشخص غير معروف ثم يختفي، كرواية "الراية الزرقاء" وهي رواية تنادي بالوطنية وتحكي عن "الاستقلال" لكن صورة مصر فيها غير مرضية. دعيني أقل لك أن السودان يقرأ لمصر كثيرا، لكنه لم يهتم بالكتابة عنها بنفس القدر، لهذا إن أردت البحث عن مصر في الأدب السوداني سيكون الأمر مجهدا، وربما لا تعثرين علي شيء، كما لو بحثت عن السودان في الأدب المصري". وعن غياب أسماء الأدباء السودانيين عن المشهد الأدبي المصري أجابت مأمون قائلة: "الأسباب شتي، أولها الإعلام سواء كان المحلي السوداني أو المصري أو العربي بالعموم، الذي لا يعرف سوي الطيب صالح، والذي ينظر للسودان باعتباره بلد هامش ثقافي، لا يمكنه أن يأتي بمثل الطيب صالح، والطيب صالح اسم كبير وكاتب كبير نفتخر به جميعاً، ولكن هناك غيره سواء كُتابا قبله لم يجدوا حظهم من القراءة والانتشار، ومجايليه وأيضاً، وبعده جاء الكثيرون، لكن الإشكال في أن هؤلاء لم يعرفوا إعلامياً خارج السودان. الهادي آدم هناك شعراء يفوقونه موهبة وتجربة وعمقاً مثل محمد المكي إبراهيم، النور عثمان أبكر، محمد عبد الحي، محمد المجذوب عالم عباس وغيرهم كثر من أجيال مختلفة، لكن معرفة العالم العربي بالهادي آدم جاءت بعد تغني أم كلثوم له، مما يؤكد أن العالم العربي لا يعرف سوي من اشتهر أصلاً. ومن الأسباب أيضاً عملية النشر والتوزيع، فرغم أن دور النشر السودانية بعضها تطبع بالخارج، وتشارك بمعارض كتب عربية وإقليمية، فإن توزيعها للكتاب ضعيف، ويقتصر علي مكتبات الخرطوم ومدن قليلة أخري، ناهيك عن مشاكل الطباعة وجودتها. وكذا مما أسهم في غياب الأدب السوداني لفترة طويلة في المشهد العربي دور المؤسسة الرسمية هنا التي لا تعني بالثقافة والأدب ولا تهتم به ربما هناك قضايا أهم في اعتبارها من الثقافة والأدب. والسبب الأخير في رأيي هو الكاتب نفسه الذي لا يسوِّق لنفسه، وذلك مرده إلي الطبيعة الصوفية المتواضعة الحيية التي تسير بالبركة، والتي تتحلّي بها الشخصية السودانية علي العموم، والتي تميل إلي النأي بنفسها من الاختراق وعرض ما لديها من إبداع، وتلاحظ هذا حتي لدي الطيب صالح نفسه، لكن هناك بعض الكتاب والمثقفين الذين خرجوا من هذه الدائرة وساعدتهم ظروفهم في الاختراق مثل طارق الطيب وأمير تاج السر وليلي أبو العلا وجمال محجوب ببريطانيا وأحمد الملك بهولندا وإشراقة مصطفي بالنمسا وغيرهم كُثر من الذين استطاعوا أن يكسروا عزلة المبدع السوداني ويخترقوا الأوساط الأدبية، ليس في العالم العربي فقط ولكن الأوروبي والأمريكي، وتمكنوا من التفاعل مع الحراك العام والإضافة للمنجز الأدبي في تلك البلدان سواء من كتبوا بالعربية أو باللغات الأخري". أما ساكن فيقول: "لا أدري من هو الملام في ذلك ولكن هنالك بضعة حقائق يجب أن نضعها في الحسبان، بالنسبة للطيب صالح خدمته ظروف كثيرة جدا في أن ينال ما نال من شهرة نصبته ككاتب سوداني وحيد ونهائي، عمله في الخارج في مؤسسة إعلامية ضخمة وهي هيئة الإذاعة البريطانية، والتقاؤه بالمترجم الفذ المستشرق دنيس جونسون، والذي عمل علي ترجمة "موسم الهجرة للشمال" حتي قبل اكتمالها، ثم نَشْر الرواية ذاتها في مجلة لبنانية لها صيتها في ذلك الزمان، ما كتبه رجاء النقاش عنه،علاقاته الكبيرة والمؤثرة بقادة الفكر العربي والإنساني، حضوره الوافر في كثير من المؤتمرات الأدبية والثقافية العالمية منذ الستينيات إلي وفاته، كل ذلك حدث في وقت كان الكاتب السوداني الذي يقيم في الداخل لا يجد حتي مجلة أدبية داخلية أو مؤسسة حكومية أو منظمة مجتمع مدني فاعلة توصل أدبه لزميله الكاتب في مدينة أخري أو حتي في الخرطوم، ولا يوجد في ذلك الزمان انترنت أو غيرها من وسائل التواصل الحديثة، أقصد كان يعيش في عزلة تامة، للأسف مازالت لعنة العزلة تطرق أبواب البعض إلي اليوم. والجانب الآخر من المشكلة يرجع للكاتب السوداني نفسه، حيث ظل كثير من الكتاب الكبار يكتبون بأسلوب تقليدي عفي عليه الزمن تماما ولم يطوروا أدواتهم الفنية ولم يتقدموا في الموضوع و الشكل قيد أنملة منذ ستينيات القرن الماضي إلي اليوم. وهنالك أيضا جانب النشر، يلاحظ أن الدولة في السودان في كل حكوماتها المختلفة لم تهتم بنشر الإبداع السوداني أو تسويقه في الخارج، بل عندما تنشر فإنها تنشر أدبا مواليا هتافيا ضعيفا لكتاب تحاول صناعتهم عبثا، وهو أدب في الغالب لا يمكن الاستمتاع بقراءته حتي لرجال الدولة أنفسهم، كما أن النشر التجاري والخاص يعاني من إشكاليات كثيرة لا يسع المجال لذكرها، ولكن أهمها سوء التوزيع، ضعف صناعة الكتاب، مصادرة الكتب من قبل الدولة و الرقابة الصارمة علي المنشورات، ارتفاع تكلفة مدخلات الطباعة وغيرها، وهنالك أيضا مشكلة أخري غريبة وهي أن كاتبا كبيرا مثل أستأذنا عيسي الحلو يسوق لمقولة غريبة وهي: (الطيب صالح سقف الرواية السودانية)، وهذا القول أحبط أول ما أحبط عيسي الحلو نفسه، وهو كاتب كبير له أسلوبه وطرائق كتابته وقراؤه، ثم جيلا كاملا من الكتاب السودانيين، الذين إما اخذوا يقلدون الطيب صالح ليصيروا نسخة أخري منه، أو ظلوا يكتبون بخجل مع إحساس بالدونية، وصار أيضا حاجزا نفسيا بالنسبة للكثير من القراء السودانيين الذين أصبحوا لا يقرأون من الأدب السوداني لغير الطيب صالح. أريد أن أقول: إن الطيب صالح كاتب كبير وعظيم، ولكنه ليس أفضل كاتب رواية سوداني، بلا شك هو الأكثر شهرة. وهذا القول ينطبق علي أغنية البامبو السوداني لسيد خليفة، وأغدا ألقاك للهادي آدم وعاشق من إفريقيا للشاعر الكبير الفيتوري، وغيرها مما استطاع أن يعبر الحدود إلي الآخر في إطار ظروف موضوعية أو حظوظ وصدف، مع احترامي لهم جميعا". بينما زيادة طرح سؤالا علي مصر في نهاية إجابته قائلا: "لا أظن أن السودان يتحمل عبء هذا الوضع، نعم ليس لدينا مجموعة أشهر عالميا سوي "الطيب صالح" في مجال الرواية، لكن هذا لا يعني أنه الوحيد، فإذا قبلنا ألا يسمع العالم بالروائيين عيسي الحلو وعلي المك -رحمه الله- فإنه من الغريب ألا تسمع مصر بحكم الجوار والعلاقات، هكذا الأمر في الشعر فالفيتوري رجل طبقت شهرته الآفاق، كما أنه أقام بمصر زمانا، أما الهادي آدم -رحمه الله- فربما لن تعرفي له سوي "أغدا ألقاك" أي ما غنته له السيدة أم كلثوم! رغم أن المطرب محمد منير غني لمحجوب شريف وهو شاعر سوداني، فخاصة في مجال الشعر فإن لدينا الكثير في السودان، لأن ذائقة السودانيين شعرية، فربما في هذا المر تحتاجين أن يكون السؤال لمصر، لماذا يا مصر لم تعرفي من الأدب السوداني سوي هذه الأسماء فقط؟! ". أيضا تساؤل آخر لماذا لم نسمع عن أديب سوداني آخر غير الطيب صالح، وشاعر آخر غير محمد الفيتوري والهادي آدم مؤلف أغنية "أغدا ألقاك" أم كلثوم؟.. الدكتور حيدر إبراهيم علي الباحث سوداني في فلسفة العلوم الاجتماعية جاء رده ملما للسؤالين السابقين، يقول علي: "هنالك شكوي تقليدية من قبل الجانب السوداني أن الاهتمام المصري بالمكتوب والإصدارات السودانية قليل إن لم يكن منعدما، قد يعود ذلك الأمر لكثرة وتدفق ما يكتب في مصر بحيث يجعل المهتمين من المصريين مكتفون ذاتيا، يضاف إلي ذلك ملاحظة خاصة -أرجو ألا يغضب مني المصريون- أنهم إلي حد كبير محليون ومتمركزون حول ذاتهم، ويتوقعون أن الانفتاح دائما من اتجاه واحد، بمعني أن ينفتح الآخرون نحو مصر وليس بالضرورة العكس، رغم أن هذا التوجه يتناقض مع الدور الذي قامت به مصر في نشر التعليم في كثير من الدول العربية، وكان من الأجدر أن يكون الاهتمام أكثر وأعمق لسبب بسيط، هو أن يتابع المصريون ما منحوه لتلك الدول والمجتمعات، وقد يرجع عدم الاهتمام لسبب آخر أكثر بروزا في الفنون، وهو أن من يرد أن يشتهر وينتشر لابد له أن ينطلق من القاهرة. لذلك لماذا يتعب المهتمون المصريون أنفسهم في البحث عن هذه الإبداعات طالما أنها بالضرورة ستصل إليهم في مكانهم، السبب الثالث وأعتقد أنه عام، وهو المتعلق بحركة النشر والتبادل الثقافي والإبداعي بين الدول العربية ما زال ضعيفا ومعزولا. حيدر يؤكد أن نافذة أغلب السودانيين للمعارف والثقافة كانت نافذة مصرية، رغم أن التعليم في السودان بالإنجليزية، إلا أنهم تعرفوا علي الأدب الإنجليزي من خلال العقاد، المازني وشكري، فلذلك الأثر المصري واضح جدا خاصة عند الربط بالجانب السياسي من خلال وحدة وادي النيل قبل الاستقلال، السبب الرئيسي في وعي السودانيين بما يدور بفضاء الثقافة المصرية علي عكس المصريين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق