أجــيــال- الجالية السودانية بمصر Headline Animator

الخميس، 6 أكتوبر 2011

اسرائيل والسودان منذ فجر الإستقلال


ربما من المعلوم بالضرورة أن السودان كان أحد خيارات ثلاثة لتوطين اليهود من الشتات، وفقاً لمقررات المؤتمر الصهيوني الأول المنعقد بمدينة بازل السويسرية في 1897م، إلى جانب أوغندا وفلسطين. وفي حرب فلسطين 1948م تطوع بعض الجنود السودانيين للحرب ضمن الجيوش العربية ضد إسرائيل. بيد أن التدخل الإسرائيلي في السودان والعلاقات الوثقى التي أقامتها إسرائيل مع نخب وشرائح سودانية مهمة في شمال السودان، بدأت في فبراير 1956م على خلفية حوار تجاري بين حزب الأمة وإسرائيل بدأ في لندن وتواصل في إسطنبول، إذ التقى مبعوث إسرائيلي، بعبد الله خليل وزير الدفاع السوداني حينئذ، والذي أصبح في يوليو من نفس العام رئيساً للوزراء. (يعقوب نمرودي، رحلة حياتي المجلد الثاني، مكتبة معاريف، 2003م)، وعبر عبد الله خليل لمبعوث الشركة الإسرائيلية عن أسفه لعدم وجود قنوات اتصال مع إسرائيل وعن رغبته في تجديد العلاقات الاقتصادية معها.



عبدالله خليل
وفي تقرير صاغه مدير مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية، تيدي كوليك، ورفعه إلى ديفيد بن غوريون رئيس الحكومة، في 2 سبتمبر 1956م، عالج جملةً من الموضوعات كان أبرزها تدبير المال الكافي لدعم حزب الأمة السوداني، بخاصة وهو يناصب مصر العداء في اختياره الاستقلال عن مصر وعدم الاتحاد معها بعد خروج بريطانيا، وكذلك البحث عن شركاء آخرين لتحقيق الأهداف الإسرائيلية في السودان. وفي 17 سبتمبر 1956م، أرسل أوري لوبراني من القدس رسالة إلى، إلياهو ساسون، سفير إسرائيل في روما حينئذ، أخبره فيها عن القرارات التي اتخذتها إسرائيل في شأن السودان، وهي: البحث في إمكان إقامة بنك زراعي في السودان لوضعه في تصرف مشاريع إسرائيل الاقتصادية المستقبلية في هذا البلد المهم في إفريقيا، البحث في أوروبا والولايات المتحدة عن طرق لجمع الأموال لاستعمالها في مشاريع اقتصادية في السودان، الاتصال بفرنسا لإشراكها في المشاريع والنشاطات في السودان، الاتفاق على تقديم قرض للمهدي قيمته 300 ألف دولار، على أن يوقع المهدي إيصالات لضمان سداد المبلغ. ووصلت العلاقات بين الجانبين إلى إحدى ذراها عندما عقدت وزير الخارجية الإسرائيلية، غولدا مائير، اجتماعاً سرياً ورسمياً مع رئيس الوزراء، عبد الله خليل، في صيف 1957م في أحد فنادق باريس لبحث آفاق التنسيق بينهما. وبعد تفجر حرب النكسة 1967م أعلن رئيس الوزراء محمد أحمد المحجوب الحرب على إسرائيل من داخل البرلمان السوداني، معلناً رهن كافة قوى ومقدرات البلاد خدمة للمجهود الحربي المصري والعربي حتى إزالة آثار العدوان.


وبنهاية هذه الحقبة، إذ استولى العسكريون على الحكم في السودان ووثقوا عرى العلاقة مع مصر العربية بزعامة جمال عبد الناصر في السنوات الأولى للثورة المايوية، جاءت مرحلة أصبح فيها رجل الأعمال السعودي، عدنان خاشقجي، عنواناً لكل إسرائيلي أو يهودي يبحث عن طرق للعالم العربي. إذ كان له شأن أساسي في إقامة العلاقات بين إسرائيل والرئيس جعفر نميري. عدنان خاشقجي أقام علاقات كثيرة ومتشعبة مع كثير من الإسرائيليين واليهود الأميركيين. وكان من بين الإسرائيليين الذين أقام عدنان خاشقجي علاقات متينة بهم، ديفيد كمحي، خلال الفترة التي شغل فيها كمحي منصب رئيس مركز جهاز الموساد في باريس، وتطورت العلاقات بين الاثنين وتوطدت وسادت بينهما صداقة حقيقية. في منتصف عقد السبعينيات من القرن الماضي توجه يعقوب نمرودي إلى الجنرال الإسرائيلي المتقاعد رحبعام زئيفي الذي كان قد أنهى لتوه مهماته كمستشار في شؤون الإرهاب لرئيس الحكومة الإسرائيلية إسحق رابين، للعمل مع عدنان خاشقجي في مهمات أمنية وحراسة. استجاب رحبعام زئيفي لطلب يعقوب نمرودي وتمكن خلال فترة وجيزة من كسب ثقة عدنان خاشقجي. وقام رحبعام زئيفي بإدارة مزرعة عدنان خاشقجي المترامية الأطراف في كينيا، ووظف أكثر من أربعين إسرائيلياً في تشغيل المزرعة وحراستها. وعهد عدنان خاشقجي إلى رحبعام زئيفي أيضاً بمهمة الحفاظ على أمن يخته الفاخر، وكلفه بوضع أجهزة رقابة وتنصت في اليخت كي يكون في إمكان عدنان خاشقجي مراقبة ضيوفه رفيعي المستوى من العرب وغير العرب، بشكل مباشر.
 أقام عدنان خاشقجي علاقات وطيدة بالرئيس جعفر النميري منذ سبعينيات القرن الماضي. وفي أواخر السبعينيات أخبر خاشقجي صديقه وشريكه في كثير من المشاريع الاقتصادية والصفقات التجارية يعقوب نمرودي، أن وضع الرئيس النميري في داخل السودان خطير ويثير القلق، وأن الأميركيين لا يقدمون له المساعدة المرجوة، والسعوديين يصدونه. وكان كل ما تمكن الأميركيون من استخلاصه من السعوديين هو تمويلهم شراء طائرات (أف-5) التي كانت حاجة النميري إليها أقل من جميع الأمور الأخرى. فجميع خطط التنمية الاقتصادية الكبيرة لا تنفذ، وعلاوة على ذلك، ينبغي الاهتمام فوراً بحصول النميري على فريق أمني أميركي يستقر في الخرطوم، لحفظ أمنه الشخصي. وذكر يعقوب نمرودي أن عدنان خاشقجي من أجل مساعدة جعفر النميري والسودان، نظم في العام 1979م زيارة لأصدقائه وشركائه الإسرائيليين إلى الخرطوم. فقد دعا عدنان خاشقجي خمسة إسرائيليين من مخضرمي الأجهزة الأمنية الإسرائيلية إلى الخرطوم للقاء جعفر النميري هم: يعقوب نمرودي وديفيد كمحي وآل شفايمر ورحافيه فاردي وهانك غرينسبان. وفور وصولهم إلى الخرطوم من نيروبي، اجتمعوا بالرئيس نميري. الهدف من هذه الزيارة كان إقامة علاقات اقتصادية بين إسرائيل والسودان. ووصف يعقوب نمرودي شعوره هو وشعور زملائه عند اجتماعهم مع النميري بقوله: كنا وكأننا في حلم، كان من الصعب أن نصدق أننا في السودان، في قصر أحد الحكام العرب المعروفين الذي كان يكرر ترحابه بنا ويقدم لنا الطعام، ويحدثنا ويحضنا على القيام بمشاريع مشتركة معه. وأضاف إن جعفر النميري أخبر ضيوفه الإسرائيليين بحاجته إلى المساعدة لتطوير اقتصاد بلاده. وأنه طلب إقامة علاقات اقتصادية مع إسرائيل بشكل دائم. بعد عودة يعقوب نمرودي والوفد المرافق له إلى إسرائيل من الاجتماع مع النميري، بادرت إسرائيل إلى عقد اجتماع رسمي وسري بين نائب رئيس الحكومة الإسرائيلية يغال يدين والرئيس نميري. وفعلاً عقد هذا الاجتماع بين النميري ويدين في نيويورك، وجرى في جو ودي، وتم فيه وضع الأسس للتعاون بين إسرائيل والسودان في المستقبل. منذ أن أصبح وزيراً للدفاع في إسرائيل، سعى أريئيل شارون إلى التأثير في الأمن والسياسة الخارجية الإسرائيلية ونقلها نقلة نوعية جديدة. واعتقد شارون أن منطقة النفوذ الإسرائيلية ومصالحها الحيوية تتعدى دول المواجهة العربية، وتتسع في الشرق لتصل إلى باكستان، وتمتد في أفريقيا من شمالها إلى وسطها. وفي سياق سعيه لتحقيق سياسته، وصل شارون إلى نيروبي في كينيا، ومنها أقلته مباشرة هو ومرافقيه طائرة خاصة يمتلكها عدنان خاشقجي إلى مزرعته في كينيا القريبة من الحدود التنزانية. وكان في انتظار شارون في المزرعة الرئيس جعفر النميري ورئيس المخابرات عمر محمد الطيب وكل من عدنان خاشقجي ويعقوب نمرودي وآل شفايمر (رحلة حياتي، يعقوب نمرودي، مصدر سابق.. مذكرات موشيه شاريت، المجلد الرابع، تل أبيب: مكتبة معاريف، 1978م). وفي الاجتماع الذي جرى بين شارون والرئيس جعفر النميري وافق النميري على غض الطرف عن هجرة اليهود الفلاشا من أثيوبيا إلى إسرائيل عبر السودان، لقاء مبالغ مالية له ولرئيس المخابرات. كما وافق النميري على السماح بتخزين سلاح إسرائيلي في السودان لمصلحة قوى إيرانية كانت تخطط، بمساعدة إسرائيل وعدنان خاشقجي، للقيام بعمليات عسكرية ضد نظام الخميني في إيران.

 ووافق النميري أيضاً على السماح لإسرائيل بتدريب هذه القوى الإيرانية على الأراضي السودانية. بيد أن مشروع شارون المشترك مع خاشقجي لم ينفذ لخلافات إسرائيلية داخلية بين شارون وفئات مناوئة له في أجهزة الأمن والحكومة الإسرائيلية. سعت إسرائيل في أواخر سبعينيات القرن الماضي لتهجير اليهود الفلاشا من أثيوبيا إلى إسرائيل. ومن أجل تحقيق ذلك، تفاوضت إسرائيل في البداية مع الحكومة الأثيوبية بخصوص تهجير مواطنيها الفلاشا إلى إسرائيل، بيد أن هذه المفاوضات لم تسفر عن نتائج ملموسة ومرضية. وفي العام 1979م، طلب رئيس الحكومة الإسرائيلية مناحيم بيغين من رئيس مصر أنور السادات السعي لدى الرئيس جعفر النميري من أجل السماح لليهود الفلاشا بالهجرة من أثيوبيا إلى إسرائيل عبر السودان. وقد استجاب السادات لهذا الطلب، وحصل على موافقة النميري المبدئية، شريطة أن يجري ذلك بسرية تامة. في بداية العام 1980م، وصل إلى الخرطوم مسؤول في جهاز الموساد واجتمع مع عمر محمد الطيب رئيس المخابرات ومسؤولين آخرين. واتفق المسؤول في الموساد مع المسؤولين السودانيين على مرور الفلاشا من أراضي السودان إلى كينيا ومن ثم إلى إسرائيل. واستمر تهجير اليهود الفلاشا من طريق السودان إلى إسرائيل، إلى أن ذاع الخبر في وسائل الإعلام العالمية، ما أدى إلى وقف عمليات الهجرة. في العام 1981م أقام جهاز الموساد بالتعاون مع السي. آي. إيه، شركة سياحية، لاستعمالها غطاءً لتهريب اليهود الفلاشا الذين كانوا قد وصلوا إلى السودان من أثيوبيا. وقد استأجرت هذه الشركة قطعة أرض سودانية تقع على البحر الأحمر، وسرعان ما أصبحت قطعة الأرض هذه قاعدة للموساد ووحدات من كوماندو البحرية الإسرائيلية. وهرب جهاز الموساد من خلال هذه القاعدة ألفين من اليهود الفلاشا إلى إسرائيل من طريق البحر الأحمر. في إثر تزايد أعداد اليهود الفلاشا الذين وصلوا إلى السودان من أثيوبيا، طلبت الحكومة الإسرائيلية مباشرة من الرئيس النميري، وبوساطة الولايات المتحدة الأميركية أيضاً، نقل يهود الفلاشا بالطائرات من الخرطوم إلى إسرائيل. وقد قبل الرئيس النميري الاقتراح الإسرائيلي، بعد وضع جهاز الموساد في حسابه وحساب بعض المقربين إليه، 60 مليون دولار في عدد من بنوك أوروبا، وخاصةً في سويسرا ولندن، وكذلك بعد أن التزمت الولايات المتحدة الأميركية بتقديم 200 مليون دولار دعما للسودان. وبناء على هذا الاتفاق أقلعت من الخرطوم منذ 21 نوفمبر 1984م وحتى الأسبوع الأول من يناير 1985م، خمس وثلاثون طائرة كبيرة محملة باليهود الفلاشا إلى بروكسل- بلجيكا، كانت تمكث فيها ساعتين للتزود بالوقود ثم تكمل رحلتها إلى إسرائيل. في الأسبوع الأول من يناير 1985م، كشف رئيس قسم الهجرة والاستيطان في الوكالة اليهودية، في مقابلة مع مجلة المستوطنين (نقوداه) تفصيلات عملية موشيه، وهي التسمية التي أطلقت على رحلات نقل اليهود الفلاشا من السودان إلى إسرائيل مرورا بجنيف- سويسرا. وفي إثر ذلك، تناقلت وكالات الأنباء العالمية هذا الخبر، ما حدا برئيس الحكومة الإسرائيلية شمعون بريس، إلى عقد مؤتمر صحافي ليتبنى رسمياً عملية موشيه. وفي الخامس من يناير 1985م، أي بعد يومين من المؤتمر الصحافي لشمعون بريس، أخبرت الحكومة السودانية الإدارة الأميركية أنها قررت وقف العملية لانفضاح أمرها. وبقي في السودان بعد وقف العملية ما يقارب ألف يهودي من الفلاشا. وفي مارس 1985م، وفي أعقاب ضغط الإدارة الأميركية، وافق الرئيس جعفر النميري على نقل ما تبقى من اليهود الفلاشا إلى إسرائيل بطائرات أميركية.


صحيفة الأخبار

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق