أجــيــال- الجالية السودانية بمصر Headline Animator

السبت، 9 يوليو 2011

البترول من زمن نميرى إلى زمن البشير




قصة استخراج النفط السودانى قصة معقدة على المدى الفترة منذ زمن الرئيس الأسبق جعفر نميرى وإلى مرحلة الرئيس عمر البشير، وكانت أوضاع الصراع السياسى داخلياً وخارجياً صاحبة التأثير البالغ فى تلك القصة أو البطل الحقيقى فى قصة البترول السودانى، وللتعرف على ذلك نعيد نشر مقال للأستاذ موسى يعقوب المنشور على شبكة الجزيرة سنة 2004 لعله يساعدكم فى استعادة تركيب أجزاء من الصورة طبعاً مع الأخذ فى الإعتبار تاريخ المقال وقدمه وتغير الحال وتبدله.

صراع النفط في جنوب السودان

لم يكن النفط في يوم من الأيام شأناً اقتصاديا أو تجارياً فحسب وإنما كثيراً ما اندرج في سياق السياسة والصراع من أجل النفوذ وتحقيق الأغراض والمآرب الخاصة. ومنذ وصول ثورة الإنقاذ الوطني في السودان إلى سدة السلطة في 30 يونيو/ حزيران 1989 لم يكن مرضياً عنها وهى تحمل بين جنبيها أفكارا وأطروحات مما عرف يومئذ بـ (الإسلام السياسي). ثم أضيفت إلى ذلك أمور أخرى من أهمها وأبرزها أن ثورة الإنقاذ لم تكن في معسكر التحالف الثلاثيني إبان أزمة الكويت. ولم تلبث الولايات المتحدة الأميركية أن وضعت السودان في خريف 1993 على لائحة وزارة خارجيتها الخاصة بالدول التي تزعم أنها تدعم الإرهاب أو تصدره.
هنا، وضمن أمور أخرى كانت علاماتها واضحة بعد طوق العزلة الذي ضرب بإحكام حولها، فكرت ثورة الإنقاذ الوطني بجملة أمور حيوية كان على رأسها التفكير في إحياء مشروع النفط السوداني الذي سرعان ما دخل حلبة الصراع السياسي الدائر بين حكومة الإنقاذ من جهة وبين حركة التمرد وأحزاب المعارضة من جهة أخرى.

النفط السوداني: حجم الإنتاج وشركات الامتياز

جعفر نميرى
كانت حقوق امتياز استخراج النفط السوداني منذ عام 1974 (أثناء حكم جعفر النميرى) بيد شركة شفرون الأميركية التي حفرت 90 بئراً في مساحة قدرها(42 مليون هكتار) كانت ثلاثين منها منتجة وواعدة. غير أنها -أي شيفرون- لأسباب أمنية واقتصادية وسياسية كانت قد جمدت نشاطها وخرجت من السودان منذ العام 1984. هذا علماً بأن فاتورة استيراد الطاقة والمحروقات كانت تكلف البلاد أكثر من ثلث عائداتها من الصادر (300-350 مليون دولار). وكانت الاختناقات والندرة في هذا المجال في السودان هي الأكبر منها في أية سلعة استهلاكية وحيوية أخرى.
كان النفط والحال هكذا حاضراً في الصراع مع الآخر الخارجي بل كان قضية حياة أو موت لنظام كان قاب قوسين أو أدنى من حصار اقتصادي معلن أو ربما نفطي وشيك. فاتجهت حكومة الإنقاذ في عامها الثاني 1991 نحو أمرين في هذا الخصوص هما:
  • استجلاب مصافي صغيرة واستغلال نفط حقل أبوجابرة والحقول الأخرى وإن كانت محدودة الإنتاج يومئذ.
  • تحرير حق الامتياز من شركة شيفرون الأميركية ومحاولة الاتصال بشركات أخرى غير واقعة تحت السيطرة الأميركية ولديها إمكانية القيام بالمهمة.
ولقد كان الأمر الثاني هو الأهم على كل حال. وقد تحقق على يد إحدى شركات القطاع الخاص السوداني المسجلة والعاملة في الخارج وهي شركة (كونكورب العالمية) ومنها انتقل إلى الحكومة لتصوب اهتمامها الكبير نحو هذا الهدف الإستراتيجي. فتداعت للمشروع بعض الشركات الصغيرة بادئ الأمر كشركة (State Petroleum) الكندية التي تدفق على يديها النفط السوداني لأول مرة في الخامس والعشرين من يونيو حزيران 1996 بكميات لم تبلغ العشرين ألف برميل في اليوم. وكانت تنقل إلى مصفاة (الأبيض) الصغيرة بالقطارات والشاحنات.

وقد فتح ذلك الباب كما هو معلوم إلى دخول مجموعة الكونسورتيوم (الصينية 40% والماليزية 30% والكندية 25% والحكومة السودانية 5%) لتبدأ رحلة إنتاج وتسويق النفط السوداني الحقيقية وليصبح في عداد الصناعة والإنتاج التجاري. ففي ظرف ثلاث سنوات فقط ارتفع مستوى الإنتاج من 150 ألف برميل في اليوم بادئ الأمر إلى 220 ألف برميل في اليوم حالياً وهي الكمية التي يتوقع لها أن تتضاعف خلال عامين أو ثلاثة. فقد أقيم مركز لتجميع النفط فى حقل هجليج بولاية الوحدة الجنوبية حيث التماس مع ولاية جنوب كردفان إحدى ولايات البلاد الشمالية، ثم امتد خط أنبوب الصادر من هناك إلى شواطئ البحر الأحمر بطول 1600 كيلو متر حيث ميناء بشائر الذي أعد خصيصاً لتصدير النفط الخام الذي يستهلك منه محلياً 60 ألف برميل في اليوم ويصدر الباقي (160 ألف برميل). وقد دشنت أول شحنة صادرة من هذا الميناء في الثلاثين من آب/ أغسطس 1999

مصفاة الجيلى
وبقيام مصفاة (الجيلى) شمال الخرطوم بالتمويل مناصفة بين الحكومة السودانية وجمهورية الصين، وبطاقة إنتاجية قوامها خمسة وعشرون ألف برميل. اكتفى السودان من البنزين والغاز وأصبحت له منهما كميات للصادر أيضاً. وذلك إلى جانب مصفاة بورت سودان التي أنشئت في مفتتح الستينيات وتنتج 50 ألف برميل ينتظر أن ترتفع إلى 75 ألفا. ولعل الإنجاز المهم في هذا السياق هو قيام مركز معلومات وتدريب وتحليل وتطوير الطاقة في العاصمة الخرطوم بعد أن كان ذلك كله يتم في الخارج. وبذلك تكون قد توفرت وتكاملت إلى حدٍ كبير الصناعة النفطية فى البلاد، بعد أن تداعى للمشاركة في إنتاج وتطوير هذه الصناعة الإستراتيجية شركات أوروبية وروسية وخليجية، إلى جانب الشركات الكبرى الثلاث التي نهض على يديها المشروع وهى الشركة الصينية الوطنية لإنتاج البترول والشركة الماليزية بترو ناس والكندية تلسمان.

دخول النفط حلبة الصراع الداخلي

عند هذا المنحنى فقط دخل النفط فى جنوب السودان حلبة الصراع السياسي والعسكري مع التمرد والمعارضة الشمالية المهاجرة بفصائلها العسكرية والقوى الدولية الكبرى والإقليمية التي تقف خلفهما. ذلك أن النفط بعد أن أصبح سلعة للاكتفاء الذاتي والصادر وصارت له مردودا ته وعائداته الإيجابية على مسيرة البلاد الاقتصادية المتعثرة فظهر ذلك على الموازنة المختلة، ومضى بها إلى التوازن، وانتهى سعر الصرف المنفلت إلى الثبات والاستقرار، ومعدل التضخم إلى الهبوط، لفت الانتباه إلى جملة أشياء من أهمها:
  • أولاً: أن لعبة النفط وصراع المصالح في أفريقيا دخلت فيه قوىً غير تقليدية وهي الصين وماليزيا من البلاد الآسيوية الناهضة. ولابد أن ذلك يثير حساسيات الآخرين وتوجساتهم إذ لم يكن وارداً في حسبانهم يوم أغلقت شيفرون الآبار وختمت عليها ويوم تخلت عن امتياز التنقيب إلى شركة معروفة لتضعها بين يدي الحكومة أن أحدا سيأتي ليفض تلك الأختام فتنطلق مسيرة النفط.
  • ثانياً: أدى ظهور النفط في السودان واستغلاله تجارياً إلى تفكيك طوق العزله المضروب على البلاد وفتحها أمام بيوت التمويل والصناديق والأفراد الذين يرغبون في الاستثمار وفي مقدمتهم صندوق النقد الدولي الذي أخذ في توفيق الأوضاع وتطبيعها مع القطر الذي طالما همّ بطرده منه في يوم من الأيام، وهذا يضر بل ويفكك نظرية الاحتواء المزدوج للنظام السوداني ومحاصرته وعزله اقتصاديا ودبلوماسياً
ويصب هذا كله في النهاية ضد مصلحة المعارضة السودانية ومجموعات الضغط الأجنبية التي تساندهما.

وتأسيسا على ذلك ظهرت ملامح الصراع وبرزت فى أمرين باديين للعيان هما:
  • الأول: محاولات التجمع الوطني الديمقراطي المتكررة (ثلاث مرات) ضرب أنبوب التصدير من جهة الشرق عبر التسلل من دولة إريتريا المجاورة التي تستضيفه، غير أن هذه المحاولات لم تكن فاعله أو مؤثرة إذ كانت تحتوى وتحاصر فى حينها.
  • الثاني: إقحام حركة التمرد لموضوع النفط في صراعها مع الحكومة حيث وضعت إيقاف ضخه وتصديره شرطاً لازماً لوقف إطلاق النار الدائم بينها وبين الحكومة. وقد ظلت مجموعات الضغط المسيحي والكنسي والأخرى الموالية لحركة التمرد بقيادة العقيد جون قرنق ظلت خلف الكونغرس والإدارة الأميركية لتكثيف ضغوطهما على الشركات العاملة في المشروع السوداني وبخاصة الشركات الكندية والأوروبية لوقف العمل والانسحاب من المشروع جملة واحدة وإلا خضعت لعقوبات منها الحرمان من تداول الأسهم في بورصة نيويورك، كما جاءت بذلك قرارات صادرة عن الكونغرس للإدارة الأميركية التي طالبت بدورها بتجميد عائدات النفط ووضعها في حساب خاص حتى تكتمل عملية السلام في البلاد وذلك بدعوى أن الحكومة السودانية تستغل تلك الأموال في تسليح الجيش ومن ثم تأجيج نار الحرب والاستمرار فيها..!. إلى جانب ذلك رصدت الأموال والتسهيلات اللوجستيه من قبل الكونغرس ووزارة الخارجية الأميركية لحركة التمرد، باعترافهما وفى وثائق مشهورة ومنشورة، ليصبح بإمكانها تحديد آبار النفط في ولاية الوحدة إحدى ولايات بحر الغزال الكبرى وبالفعل تم الهجوم على ولاية بحر الغزال في الأسابيع القليلة الماضية ولكن تم احتواء الهجوم وتمكنت الحكومة من صده.
على أنه، ومهما يكن من أمر الضغوط الأميركية التي تكاتفت على الحكومة الكندية وشركة (تلسمان) التي تملك 25% من الكونسورتيوم فإنها لن تنال من الشركات الأخرى الصينية والماليزية والنمساوية والروسية والسويدية والخليجية كما يتوقع أن تنضم إليها قريباً حسب مصادر وزارة الطاقة السودانية شركات يابانية.

ذلك فيما يتصل بالضغوط الخارجية على الشركات العاملة وأما المعارضة فقد توقفت هجماتها على الأنبوب الناقل للخام منذ أكثر من عام بسبب الرفض المتزايد شعبياً لهذه الهجمات التي تعتبر استهدافاً لمشروع وطني قومي يعول عليه في إسعاف الوضع الاقتصادي المتردي فضلاً عن تنامي وتصاعد الدعوة للحل السياسي السلمي الذي تتبناه اليوم مبادرات داخلية وخارجية أهمها مبادرة (دول الإيقاد) والمبادرة المصرية الليبية المشتركة.
وعندما ألحقت مؤخراً الحركة الشعبية لتحرير السودان قضية النفط بأجندتها جاعلة من وقف إنتاج النفط وعدم تصديره شرطاً لوقف إطلاق النار الدائم وجد ذلك التوجه رفضاً من أقرب الأقربين لها وهو الحزب الشيوعي السوداني الذي اتهمت سكرتاريته فى بيان لها صدر فى الأسابيع الأخيرة زعيم الحركة الشعبية بعدم الالتزام بالقضايا الوطنية الكبرى. وكذاك فعلت الأحزاب السياسية الأخرى ومن بينها حزب الأمة والمؤتمر الشعبي الذي وقع مع الحركة فى فبراير/ شباط الماضي ما عرف بـ (تفاهم جنيف).

عائدات النفط وقدرة حركة التمرد على شلّها

جون غارانغ
واجهت الحكومة دعاوى استغلال عائدات النفط فى الأعمال العسكرية بمزيد من الاعتمادات لتنمية البنية الأساسية والخدمات فى الجنوب بشكل عام وولاية الوحدة حيث البترول بشكل خاص. وذلك في برنامجها المعروف ببرنامج تنمية الجنوب الذي وجهت له عشرات المليارات من الدينارات فقامت الطرق والكباري والجسور والمدارس والمراكز الصحية وخدمات الكهرباء والماء والاتصالات.. الخ، كما ركزت من جانب آخر على مشروعها السياسي المعروف بـ (السلام من الداخل) وتقوده النخبة وزعماء القبائل في الأغلبية الجنوبية الصامتة والتي انضم إليها مؤخراً شخصيات جنوبية مرموقة كانت تعمل في إطار المعارضة الخارجية وحركة التمرد فالتأم جمعهم الأسبوع الماضي في مدينة كوسومو الكينية برعاية مجلس الكنائس العالمي وعبروا عن عدم رضاهم عن استمرار الحرب مطالبين العقيد قرنق بالاستجابة للحل السياسي.
ويبدو أن الحركة الشعبية لتحرير السودان باتت تعاني من عزلة سياسية بعد أن جردتها جهود الحكومة الرامية لتطبيع العلاقات مع دول الجوار مثل إثيوبيا ومصر وأوغندا من مصادر دعمها وغطائها اللوجستي. كما أن تجربتها خلال 18عاماً وهي عمرها الزمني والسياسي والعسكري، لم تمكنها من تحقيق أهداف تذكر، رغم بعض المحاولات ففي العام 1997 حاولت عبر خطتها العسكرية (قفزة الثعلب) -وكانت خلفها معظم دول الجوار الأفريقية والدعم اللوجستى الأجنبي- الوصول إلى جوبا عاصمة الولاية الاستوائية فلم تفلح ومنيت بالهزيمة، وفى شتاء 1998 حاول حلفاؤها فى الداخل التسلل خلسة إلى واو عاصمة بحر الغزال ولكنهم هزموا وقتل القائد كاربينو كوانينو. ومنذ ذلك الوقت لم تقم الحركة بمغامرة من ذلك القبيل إلا قبل أسابيع ولم تحقق أغراضها كذلك.
عطفاً على هذا واستناداً نستطيع القول أن حقول النفط التي توجد بها شبكة من الطرق والجسور والاتصالات والدفاعات والتحصينات المعززة بالكثافة السكانية النسبية يصعب على الحركة أن تصلها أو تحملها على التوقف.

وتنظر الحكومة السودانية وشركات النفط المنتجة إلى مشروع النفط الواعد في السودان بأمل كبير، وقد بذلت في شأنه المليارات من الدولارات وأقيمت المنشآت ومدت الطرق وخطوط الأنابيب الناقلة للخام. ففرص العمل في ازدياد والتوسع هو الأصل حالياً وليس الانكماش أو الانسحاب والتراجع. فقد فتح النفط الباب واسعاً أمام المستثمرين ورجال الأعمال إلى العمل في مجالات حيوية أخرى، كما حدث بالنسبة للشركات الصينية والماليزية التي تعمل في مجالات الطرق والبناء والإعمار والتعدين ويحثها على ذلك علاقات ثنائية ممتازة ومتطورة. ويكفى الإشارة هنا إلى أن جمهورية الصين في آخر زيارة للنائب الأول لرئيس الجمهورية لها كانت قد أسقطت60% من ديونها عن السودان في أول بادرة من نوعها، وهو الشأن الذي بات مطلباً من مطالب الدول النامية أو الفقيرة لدى الدول الكبرى.
وإذا علمنا أن النفط كسلعة استراتيجية محل تنافس وصراع نفوذ بين الدول الكبرى فإن جمهورية الصين -وهذا القرن قرنها كما يقولون- لن تفكر بغير البقاء في السودان والدفاع عن مصالحها بكل ما هو ممكن أو مشروع. وهذه المصالح ليست النفط السوداني وحده ولا السودان وإنما ما وراء ذلك في زمن العولمة وزوال الحدود والسدود أمام التجارة والصناعة والثقافة.
إن من مؤشرات الأمان الكثيرة في هذا الخصوص أن كلفة الإنتاج لم تزد بعامل المخاطر، وأن شركة تلسمان الكندية تسعى جاهدة للبقاء حيث هي رغم الضغوط الأميركية وذلك حسب تصريحات المسؤولين فيها. وأن أفواج الشركات العالمية كالشركات اليابانية والروسية والأوروبية وغيرها تسعى للحصول على فرص للمشاركة فى هذا المشروع الحيوي الذي منح السودان فرصه لاجتذاب رؤوس الأموال وقبل ذلك تحسين العلاقات مع مجتمع الدول ولاسيما دول الجوار العربية والأفريقية وربما أدى ذلك فى النهاية إلى تعظيم فرص السلام فى البلاد لأن المجتمع المحلى والخارجي سيلقي بثقله سياسياً ودبلوماسياً ضد حركة التمرد التي تمارس الحرب والقتل وإشاعة عدم الاستقرار منذ ثمانية عشر عاماً.






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق