أجــيــال- الجالية السودانية بمصر Headline Animator

الاثنين، 11 يوليو 2011

الحقوق المشتركة والبنية التحتية للبترول



مآلات صناعة البترول في السودان بعد 2011م

محمد البشرى -برمنغهام 
النص الكامل منشور فى سودانيل فى 2 نوفمير2010

أولاً: الحقول المشتركة: 

من المعروف ان مُعظم الحقول المُنتـجة والإحتياطي النفطي المعروف تقع او تمتد في منطقة محازية للحدود بين الشمال والجنوب، ونسبة لأن حركة البترول تحت الأرض لا يمكن لأحد التبوء بها، فان هذا الوضع الإستثنائي يحتاج لدرجة عالية من التعاون المُشترك مما يتطلب وضع قوانين ولوائح واتفاقيات ثُنائية مُفصلة حتى تتم إدارة وإستغلال تلك الثروات بصورة إقتصادية لمصلحة الشعبين  وقطف ثمار تلك الثروات لضمان رفاهية الناس وتنمية البلدين وتحقيق حياة افضل. في هذا الجانب فان الشمال والجنوب يجب ان يتهيأ نفسياً وساسياً وقانونياً وعليهما ان ينسيا مرارات الحروب والماضي و يبعدا عن تصفية خلافاتهما السياسية من خلال البترول ،لكي يكونا مستعدين للنقاش والتفاوض والاتفاق على تحديد الحدود ووضع تشريعات نفطية تفصل وتسمح باستعمال عقود البترول "الموحدة"
The Unitisation Agreement
وان يمتلكا الارادة السياسية لعقد اتفاقيات ثنائية تسمح بانشاء وتطوير مناطق البترول المشتركة
The Joint Development Area
 العقد الموحد
The Unitisation Agreement
هو صيغة قانونية مستعملة في صناعة البترول ولم أجد له صيغة تعريب في الكتب القانونية التي اضطلعت عليها، لذا رأيت المساهمة بأن أعرفه بتسميته " العقد الموحد" لأغراض هذه الورقة، لأنه ينادي بتوحيد العمليات النفطية من مسح جيولوجي وبحث وحفر وإستخراج وإنتاج وترحيل وتكرير وبيع بين شركتين تعملان في حقلين مختلفين داخل حدود دولة واحدة أو حتى بين حقول عابرة لحدود دولتين مما يمكن تسميته ب" العقد الموحد العابر للحدود"
Inter-state Unitisation Agreement
. هذه الصيغة استعملت في اميركا لإستغلال الحقول المشتركة الممتدة بين حدود شركتين او حقلين او حتي ولايتين  وقد ظهرت الحوجة لاستعمال هذا العقد في أميركا لان اصحاب الحقول المتجاورة  كان كل منهم يحفر عدة أبار بطريقة تنافسية علي اطراف الحدود مع الحقل الاخر ولكن لثبوت عدم فائدة هذا الحفر العشوائي الاقتصادية فقد استعيض عنه باستعمال هذا النوع من  العقود. وفي هذا الخصوص فان القانون الاميركي قد استعمل نظرية او مذهب 
Rule of Capture Doctrine
لاستغلال الحقول المشتركة وهي ما يمكن تسميتها بنظرية "الاستيلاء" والتي تقول ان الشخص الذي إستغل واستخرج النفط له الحق في استغلال ما استخرجه ، هذه النظرية لم تجد القبول في القانون الدولي ، كما انها عملياً قادت للحفر التنافسي حيث ان كل طرف سيحاول ان يحفر اكبر عدد من الابار علي حدود الحقل مع الطرف الاخر مما يؤدي الي صرف الكثير من الأموال قد لا يكفي المستخرج من النفط تغطيتها وتؤدي لخسائر اقتصادية باهظة وإضرار بالبيئة، كما انه إذا كان الحقل ممتداً عبر حدود دولية فان ذلك قد يقود الي انتهاك سيادة الدولة المجاورة (سميث واخرون) ولذا فقد أُتفـق علي ان العقود الموحدة او الاتفاقيات الثنائية لاستغلال الحقول المشتركة هي الوسيلة الناجعة التي حلت مكان نظرية  " الاصطياد"  كقاعدة عادلة وعملية ومبررة في نظر القانون الدولي والفطرة القانونية السليمة، بل ان العالم القانوني أونوراتو يرى ان الدول التي لها حقول نفطية مشتركة عليها "التزام قانوني" لتتعاون في الاستقلال المشترك للحقل.

مما سبق يتبين ان العقد الموحد هو نوع من العقود التعاونية، تحث وتعمل علي الاستغلال المشترك للحقول المشتركة. هذا النوع من العقود سيكون مفيدأ للسودان في حال الإنفصال او في حالة ان استخراج النفط يؤثر علي دولتين او حتي شركتين. السودان نظريا عرف هذا النوع من العقود ، حيث أن اتفاقية الحكومة السودانية وشركة بتروناس الموقعة في 2003م لإستـغلال بترول الحقل رقم 8 قد إشترطت أنه في حالة اكتشاف بترول ممتد خارج حدود السودان فإن وزير الطاقة والتعدين مُلزم بأن يُنسق ويتفق مع الدولة المجاورة فيما يختص بتطوير وإستغلال  وإنتاج الحقل المشترك (مادة 3)، هنا نرى ان المُشرع كأنه كان يستشرف مثل هذا الوضع وخيراً فعل لأن الحقل رقم 8 مجاور ليس فقط للجنوب بل له حدود ممتدة مع اثيوبيا. علي كل حال  في هذا الخصوص نجد ان السودان قد وضع الأُسس الأولية لهذا النوع من العقود والتي يُمكـن البناءُ عليها وتطويرها ولأن السودان ينقصه التشريع الشامل لذا عند وضع اي تشريع بترولي جديد  يجب ان يُضمن هذا النوع من العقود بتفاصيل أكثر دقة، وفي كل الأحوال نرى انه من الواجب الآن العكوف على وضع عقد نموذجي يتضمن تفاصيل وشروط مثل هذا النوع من العقود كما فعلت العديد من الدول مثل الاكوادور.
النوع الثاني من أنواع التعاون تتمثل في عقد نوع من الإتفاقيات الثنائية وهو ما يعرف بعقود تنمية المناطق المشتركة
The Joint Development Area

وهو نوع من الإتفاق الثنائي بين دولتين لا شركتين لتنمية منطقة مشتركة سواء تم إكتشاف موارد نفطية بها أم انه من المحتمل ان توجد بها ثروات طبيعية لوجود دلائل قوية  على ذلك. وهذا العقد  يختلف عن النوع السابق حيث أنه إتفاق ثنائي للتعاون  بين دولتين لتطوير منطقة مشتركة أكثر منه عقد نفطي، كما أنه لا يتم  بين شركات بترول كما قد في العقد الموحد. هذا النوع من العقود قد تمت تجربته منذ ستينات القرن الماضي وقد أثبت نجاحه في كثير من الدول من حيث إختصار و إقتسام تكاليف البحث واستخراج النفط كما انه ساعد في حل المشاكل النزاعية كما بين استراليا وتيمور الشرقية وكذلك بين السعودية والبحرين والسعودية والكويت في المنطقة المحايدة. السودان له تجربته الخاصة في هذا المجال، حيث ان خلافا نشأ مع السعودية فيما يخص التنقيب في البجر الاحمر حين اعلنت السعودية في بداية السبعينات أن حدود مياهها الاقليمية ستمتد الى 200 كلم بحري وعندما أعترض السودان فقد تم تكوين لجنة مشتركة وتم التوقيع  علي إتفاق بين البلدين للإستغلال المشترك لثروات البحر الاحمر في المنطقة المشتركة والتي وتبدأ من النقطة التي يصل فيها عمق البحر الى 1000متر من الجانبين ( المادة 5 لاتفاقية  السودان والسعودية 1974م) .وقع الاتفاقية عن الجانب السوداني وزير خارجيته أنذاك منصور خالد ورغم ان هذه الاتفاقية لم تُؤتـ  أُكلها ولم تكن جادة ومنتجة  لان أعباء تكاليف اللجنة المشتركة كانت تتحملها السعودية لوحدها مما جعل المبادرة تموت في المهد، الا ان التجربة في حد ذاتها جديرة بالتأمل والدراسة من أهل الشأن وخاصة ان السودان وقع اتفاق مع السعودية لاستغلال المعادن في نفس المنطقة في 19-5-2010م، وان كانت الإتفاقية الاخيرة "سرية" مما لا يتيح التعليق عليها ،و متعلقة فقط  بمعادن غير البترول الا ان من المهم وضع الشروط التي تضمن مصلحة الوطن. هذا النوع من الاتفاقيات من الاهمية بمكان لانه يساعد في حل النزاع حول منطقة حلائب وما قاصدها من منطقة بحرية لازالت محتلة من قبل مصر منذ 1992م وبدون بوادر حل رغم الأنباء التي تذكر ان مصر مستمرة في إستغلال ثروات المنطقة المتنازع عليها.  هذا النوع من الاتفاقيات الثنائية أيضا يمكن ان يستعمل في التعاون مع الجنوب في حالة الانفصال لانه هو الذي يضمن الاستغلال السلمي لموارد المنطقة المشتركة ويعطي إشارات تطمينية للشركات النفطية للاستثمار في منطقة هادئة لا نزاع عليها لان رأس المال جبان ويهرب من مناطق النزاعات والحروب و خاصة الإستثمار النفطي لانه هو الأكثر خطورة ومجاذفة. بالنسبة لما سُقناه من أمثلة اعلاه عن المناطق المشتركة فهي كلها مناطق ساحلية وبعيدة عن المناطق المأهولة بالسكان، مما يجعل التعاون في المناطق الحدودية بين الشمال والجنوب مختلفاً ويواجه الكثير من التحديات المختلفة، حيث  ان المناطق الحدودية المشتركة والمراد تطويرها هي مناطق غير ساحلية بل هي مناطق إما زراعية او رعوية ومأهولة بالسكان (ماجاك دأقوت) وهذا التواجد السكاني يجلب معه الكثير من المشاكل المتعلقة بقانون الأراضي وقوانين البيئة وحقوق الانسان. كما ان تعاوناً من هذا النوع يحتاج لدرجة من الشفافية  والوضوح في الحسابات وشروط العقود والبعد عن الرشاوي والفساد المالي والإداري من الدولتين، كما انه يحتاج لدرجة من الثقة المتبادلة بين الطرفين حتي يتم تفادي ما حدث في تجربة  دولتي "ساو تومي برنسيب ونيجيريا" والتي لم تحقق النتائج المرجوة نسبة للفساد وإنعدام الشفافية. وفي كل الاحوال فان تطوير التشريعات ووضع نماذج لتلك العقود والاتفاقيات والاستفادة من اخطاء الاخرين هي السبل الناجعة لوضع تشريعات منتجة وعقود مكتملة وخاصة ان تلك العقود والاتفاقيات قد أُستُعمـلت كوسيلة لحل او منع النزاعات وكما انها قد تساعد في اطفاء اي نزاع مستقبلي محتمل مع الجنوب (اوقونجيووف


ثانياً: البنية التحتية للبترول:

من الجدير بالملاحظة ان معظم البنية التحتية المتعلقة بالنفط توجد بالشمال، ورغم ان الجنوبيين ينظرون لذلك بتشكك منذ الثمانينات عندما استبدل نميري المقترح الأساسي ببناء مصفاة بانتيو ليحول المقترح لكوستي قبل أن يستقر على مد خط أنابيب  لبورتسودان بديلاً للمصفاتين، والجنوبيون يعتبرونها سياسة"مقصودة" ومتبعة من حكومات الشمال، الا ان الحكومة في الشمال تعزي ذلك لإنعدام الامن في الجنوب أثناء الحرب التي امتدت الى 2005م. في كل الاحوال تواجد هذه البنيات يضاعف من اهمية ما ذهبنا اليه من أهمية التعاون بين الشمال والجنوب. الشمال يحتاج للجنوب للإستمرار في الحصول علي دخل من بترول الجنوب للمحافظة على الاستقرار الاقتصادي وبالتالي السياسي الذي تحقق بنسبة ما بعد توقيع إتفاقية السلام الشامل. من جهة أخرى  فإن الجنوب، كدولة مقفولة بلا منفذ بحري، يجب ان تتعاون مع الشمال حيث ان كل البنية التحتية لتسويق النفط متواجدة بالشمال او علي الأقل أكثر تطوراً في الشمال  كخطوط الأنابيب الناقلة للنفط- المصافي- موانئ التصدير – الطرق والمطارات- شركات الخدمات وكذلك فان الأيدي العاملة المدربة في مجال النفط كلها أيدي شمالية. وفي نفس الوقت فان عقوداً من الحرب جعلت الجنوب يفتقد لكل أنواع البني التحتية، في هذا الاطار وطالما ان البترول هو مصدر الدخل الوحيد للجنوب فانه من الصعب تصور بقاء الجنوب بدون مداخيل البترول ولا يستطيع الجنوب الحصول علي مداخيل من النفط من غير التعاون مع الشمال على الأقل في المدى المنظور. التعاون الشمالي- الجنوبي ليس مستحيلاً كما يتبدى في اللحظة الراهنة،عمليا فان التعاون الشمالي-الجنوبي قد بدأ في 2009م حينما أعلنت اللجنة القومية للبترول أنها قد وضعت الخرائط المطلوبة لعقود بترولية لبلوك اي أى  والذي يغطي منطقة الجنوب-الغربي ويمر عبر الجناح للبلوكات 5أ و 5ب وس . كذلك فإن اللجنة القومية قد كونت لجنة مشتركة  من ممثلي حكومتي الشمال والجنوب لمفاوضة شركتي ( سوبيري ريسورسز و هتش اويل) الاسبانيتين (بزنس مونيتور). وفي هذا الخصوص من وجهة نظري  فان نفس البترول الذي استعملته اميركا لإغراء الحركة لتوقيع نيفاشا لا أرى مانعاً من  استعماله أيضاً كحافز سياسي وإقتصادي لشحذ همة  التعاون الشمالي – الجنوبي ويمكن لتجربة اللجنة القومية ان تستمر اذا أُبعد البترول عن الاستعمال كوسيلة ضغط سياسية  علي الطرف الاخر.

تماشيا مع ما سُقناه عاليا فإن منظمة قلوبال وتنس قد وضعت مقترح من خمسة نقاط ينادي بوضع إتفاقية جديدة "بديلة" لإقتسام الثروة النفطية بعد 2011م. مقترح قلوبال وتنس يقوم علي ان الإتفاق الحالي سينتهي في 2011م فإذاً لا بد من وجود "إتفاق بديل" لإستمرار الطرفين في الحصول علي مداخيل مشابهة لما قبل 2011م وهو مقترح بسيط يقوم وينبني على أساس يمكن إختباره والتأكد منه وهو يقوم علي تعويض حكومة الشمال ماديأ مقابل السماح لحكومة الجنوب باستعمال أنابيب النفط، اي ان تقوم حكومة الجنوب باستئجار أنابيب النفط لترحيل البترول للسوق العالمية وذلك مقابل مبلغ يتراوح بين 3-8 دولار للبرميل وقد أكدت قلوبال وتنس ان المبلغ المتحصل من هذا المقترح سوف لن تقل مداخيله للشمال عن مداخيل اتفاقية اقتسام الثروة المبرمة حسب إتفاقية نيفاشا. وقلوبال تقترح ان هذا النظام يجب ان يخضع لنظام  مراقبة وشفافية يكشف عن شروط التعاقد ويخضع للتمحيص ولمراقبة مستقلة، كما يجب ان يتبنى آلية لفض النزاعات بين الطرفين وان يبدأ بمراجعة واعداد حساب للاتفاقيات الحالية. كما ان طريقة حساب الكميات المرحلة يجب الا تعتمد على الارقام المعطاة بواسطة الشركات، نسبة لإتهام الاخيرة باعطاء أرقام أقل مما تُنتـج وعلى الطرفين في جانبي الأنبوب ان يحتفظا بسـجلات دقيقة للبترول المُرحل عبر الأنابيب. البعض يراهن على ان الجنوب يمكنه ان يبني خط أنابيبه الخاص ولكن كل الدلائل تشير الى ان ذلك يحتاج علي الأقل لثلاث سنوات كما انه يحتاج الي 1.5 بليون دولار لبناء الخط المقترح بناءه من الجنوب الي "لامو" في كينيا وكثير من الخبراء يرون ان هذا الخط لن يكون مجد اقتصاديا للجنوب مقارنة بخط الشمال لتكلفته العالية المرهقة للدولة الوليدة، ولإعتراض جبال كلمنجارو خط سير الأنابيب مما يتطلب بناء عشر محطات "تقوية" ومن المؤكد أن الجنوب لن يستطيع البقاء بدون مداخيل نفطية او يوقف انتاجه حتى اكتمال بناء ذلك الخط.
من وجهة نظري فان مقترح قلوبال وتنس يمثل حلاً عادلاً وبراغماتياً وواقياً من نزاع بترولي متوقع يمكن ان يحدث بين الطرفين. ان هذا الإتفاق يجعل الطرفين يحسان بأهمية عدم الذهاب للحرب لأنهما سيشعُران بالفائدة التى جنياها من البترول والذي سيفقدانه بالرجوع للحرب، حيث انه اسوأ السيناريوهات للطرفين لأن الحرب سوف تؤثر على صناعة النفط حيث ان الشركات المنتجة سوف تضطر لايقاف عملياتها ، ذلك لان الحرب هذه المرة لن تكون كسابقاتها حيث انها ستطال الحقول والشركات وعمالها وقد يُستعمل فيها سلاح الطيران لقصف منصات الانتاج وصهاريج التخزين وخطوط الأنابيب والمصافي والحقول وتبعاتهما من الطرفين لمنع الطرف الاخر من الإستفادة من مداخيل البترول، لذا فإن الشركات ستكون مترددة في إستثمار المزيد من الأموال في منطقة حرب مما يؤثر على الصناعة النفطية في المديين القريب والبعيد وايقاف مداخيلها وتطورها. في نفس الوقت فان المنصرفات العسكرية ستأخذ النصيب الأكبر من المداخيل التي كان يجب ان توجه للتنمية. في هذا الاتجاه فان البنك الدولي توقع أن الخرطوم ستلجأ للحرب اذا توقعت انها ستُؤمن لها الحصول علي نسبة من حقول البترول، اما حكومة الجنوب فان لجؤها للحرب سيكون في حالة الدفاع عن حق تقرير المصير "الاستفتاء"...هل ستصدق نبوءة البنك الدولي ذلك ما ستكشف عنه الايام المقبلة.


ملف البترول اضغط وطالع باقى موضوعات الملف


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق